الرؤية
لعدة سنوات، حاول العديد من المبعوثين الخاصين للأمم المتحدة إلى ليبيا التدخل لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تجمع بين الأطراف المتنازعة والتي تضم عديدا من القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية. اتسمت نهج المعالجة الذي تبناه المبعوثون تباعا الاقتصار على اعتماد “الحل السياسي” الصعب المنال كحل وحيد لفض النزاعات المختلفة في البلاد. كما اتسم نهج المعالجة للنزاعات المتعددة في ليبيا المغالاة في التركيز على اعتماد المقاربة الفوقية والمنظور المركزي. وقد استند ذلك على الفرضية التي مفادها أن الحل السياسي وحده كفيلٌ بتحقيق الاستقرار وإتاحة الفرصة لعبور المرحلة الانتقالية والمضي قدمًا. ولكن حقيقة الأمر أن هذه المقاربة قاصرة. بل إنها تحاول أن تحقق غاية بناء السلام من خلال أضعف الوسائل. وقد ثبت إخفاق هذه المقاربة مرارًا وتكرارًا في تحقيق الاستقرار والسلام المنشود. لا ينكر أحد أهمية إنشاء سلطة وطنية موحدة. لكن هذه المقاربة الفوقية الأحادية القاصرة ليس من الممكن أن تُنتج سلطة وطنية موحدة قوية قادرة على التحكيم بشكل فعال بين الأطراف
المتنازعة وإنهاء الانقسامات الجارية ومواجهة التحديات الأمنية وشبكات الإجرام
إن الوضع في الساحة العامة شديد التعقيد ومليء بالملفات الوعرة. فهناك ملف الجماعات المسلحة وفوضى السلاح
ومهما حاولت أي جهة إحكام سيطرتها وقبضتها بالقوة فستظل تواجه معارضة من قوى مسلحة أخرى
ولذا فمن المرجح أيضا أن تفشل محاولات تعزيز السلطة بالقوة بغض النظر عن حجم الدعم الدولي الذي تحصل عليه للاستحواذ على المؤسسات الرسمية والمواقع الرئيسية. ذلك أنه بالاقتصار على المقاربة الفوقية وإغفال المقاربات الأخرى لاسيما
المقاربة القاعدية فلن يكون بالإمكان تحقيق الاستقرار والسلام والتنمية
إن طبيعة النسيج الاجتماعي الليبي والموروث الثقافي، ومساحة ليبيا الكبيرة، وموقعها الجغرافي المتميز على مفترق طرق، ومحدودية عدد السكان، كلها اعتبارات تكسب موضوع الهوية ومراتبها ودوائرها المتنوعة وتجلياتها على مستوى المحليات والأقاليم والوطن أهمية كبرى. الليبيون هم خليط ناتج عن تفاعل ثقافات متعددة وعن توليفات مختلفة. وكما هو الحال في بلدان العالم، الهوية الليبية هوية فسيفسائية ومتطورة. ومن خصائص الأمة الليبية عموما الانفتاح على محيطها المباشر وعلى العالم. بسبب هذه السمات المذكورة التي تتسم بها الأمة الليبية أصبح من الصعب للغاية تحقيق الوحدة الوطنية بالإكراه والعنف، أو بتبني مركزية متعسفة تتحكم بالموارد تحكما متعنتا. أما بالنسبة لتحقيق الوحدة الوطنية بالإكراه والعنف فإنه يصطدم بالإحساس القوي بالإجحاف الذي يسود بين المجموعات المحلية والإقليمية/الجهوية ضدّ الفئة التي تسعى إلى الهيمنة. وأمّا بالنسبة لتبني مركزية متعسفة تتحكم بالموارد تحكما متعنتا، فسيكون من المتعذر التوصل إلى توافق في آراء كافّة المجموعات السكانية نظرا للتعددية السائدة في البلاد
هذا وعلى الرغم من الإقرار بالحاجة إلى نهج قاعدي لحل النزاع في ليبيا، لم يقم أحد بتطوير رؤية وخطة عمل شاملة تعمل على توظيف اللامركزية لتقليص حدة النزاع وتمكين السلطات المحلية من لعب دور رئيسي في دفع عجلة البلاد إلى الأمام. يجب أن تٌتاح الفرصة للحكم المحلي للإسهام إسهاما جوهريا في إدارة الأزمات الجارية واجتراح حلول لها وإنفاذها. لقد كان أداء وحدات الحكم المحلية جيدًا نسبيًا بالرغم من كل المعوقات. كما حققت آليات الوساطة المحلية وإدارة النزاعات أكثر مما حققته الآليات الوطنية. هناك العديد من فرص الاستقرار في جميع أنحاء البلاد التي بالإمكان ربطها وتعزيزها من خلال التعاون المحلي الأفقي والبناء عليها لتحقيق السلام والتنمية المنشودين
في ضوء ذلك كله، فإن منتدى الخبرات الليبية للسلام والتنمية يجمع مجموعة من الخبراء والفنيين والمعنيين الليبيين لصياغة مثل هذه الرؤية وخطة العمل –لوضع حل ليبي محققا مبدأ الملكية الوطنية. يتوخى منتدى الخبرات الليبية للسلام والتنمية تطوير إطار عمل يمكن من خلاله البناء على المقومات المتاحة ونقاط القوة في ليبيا – وهو أمر لم تحاول الجهود السابقة توخيه والبناء عليه لتحقيق الاستقرار وإسلام والتنمية في البلاد. ذلك سيضمن أن يلعب الليبيون دورًا مركزيًا في أي نقاش حول مستقبل البلاد محليًا ودوليًا، وسيستند على الأفكار التالية
يجب أن يلعب الليبيون الدور الأكبر في صياغة أي ترتيب لتسوية النزاعات القائمة في البلاد ؛ إرادة القادة السياسيين الليبيين أمر حاسم.
.١
التسوية والمصالحة ومعاملة بعضنا البعض باحترام هي دعامات وجوهر الوطنية والقومية في شكلها الحديث ، وأساس بناء مجتمع سلمي يحترم التنوع ويوفر العدالة المتكافئة وتكافؤ الفرص للجميع.
.٢
الذاكرة الجماعية لكيفية قيام الآباء المؤسسين للبلاد بتسوية ودمج مصالحهم نيابة عن الجماعة وما هي الرموز التي استخدموها لبناء الوحدة ودمج المجموعات المختلفة وخلق شعور بالانفتاح على العالم بالإضافة إلى الاعتراف الذي يشاركه معظم الليبيين يمكن أن يساعد الإجماع الواسع البلاد على إيجاد طريقها إلى الأمام الآن.
.٣
ليبيا بحاجة إلى نظام إداري هجين يجمع بين اللامركزية والمركزية "متعددة الأقطاب" . إن وجود هيكل أفقي وتصاعدي أكثر مما هو موجود حاليًا ضروري لتحقيق هذا الهدف.
.٤
آليات التحكيم العادل في الخلافات وتعزيز سيادة القانون ضرورية لإدارة الصراع وضمان التعايش السلمي والعادل.
.٥
ليبيا بحاجة إلى عهد اجتماعي وعقد اجتماعي. يمكن للأول أن يوحد مجموعاته المختلفة وراء فهم مشترك لمن هم وكيف يريدون العيش معًا بينما يمكن أن يوفر الثاني مواطنة متساوية وفهم واضح للواجبات ومساءلة الحكومة.
.٦
تعتبر الآليات القانونية المختلطة التي تجمع بين الممارسات الغربية والليبية لتسوية النزاعات ضرورية للحفاظ على الانسجام والاستفادة من أفضل المؤسسات المتاحة المتاحة للبلاد.
.٧
إن تطوير نموذج اجتماعي اقتصادي جديد يمكّن القوى الاجتماعية الخاصة - ولا سيما العائلات والمجتمعات والشركات - وينقل السلطة والموارد المالية بعيدًا عن الدولة أمر ضروري لإصلاح الاقتصاد السياسي الليبي.
.٨
إن التركيز القوي على تحفيز النمو الاقتصادي والازدهار من خلال اقتصاد مفتوح ومتنوع وإنهاء النظام الريعي هو أفضل طريقة لضمان السلام والرفاهية في البلاد. هناك مجال واسع لرفع مستويات المعيشة بالنظر إلى الأصول البشرية والجغرافية والاجتماعية للبلاد.
.٩